كلمة وزير الاتصالات في افتتاح المنتدى العربي الرابع لحوكمة الانترنت
سعادة الأمينة التنفيذية للإسكوا،
سعادة مدير الأمانة الفنية لجامعة الدولة العربية،
سعادة المدراء العامين ورؤساء المنظمات الدولية والأقليميةوالشركات الخاصة والمشغلين العرب والأجانب الحاضرين معنا،
حضرة المسؤولين في منظمتي المظلة للمنتدى العربي لحوكمة الإنترنت وأمانته الفنية في جامعة الدول العربية والأسكوا ومكتبه التنفيذي ولجنته الإستشارية (AMAG)،
الحضور الكريم،
نجتمع مجدداً هذه السنة في بيروت ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمنتدى العربي لحوكمة الانترنت.
في العام الماضي وضمن أعمال المنتدى العربي الثالث تمّ البحث في "الرؤية العربية المشتركة لصياغة مستقبل الإنترنت"، وقد تم عرضها من قبلي على طاولة مجلس وزراء العرب للإتصالات، الذي عقد في القاهرة في مثل هذا اليوم تماماً من العام الماضي، (أي 17/12/2015)، وقد تم على أساسها إعداد مشروع إقتراح "إعلان القاهرة للإنترنت"، الذي إعتمد الرئس المصري بعض فقراته في إجتماعالقمة العربية التي عقدت في بداية عام 2015 في جمهورية مصر العربية.
واليوم، نجتمع مجدداَ في بيروت، في رحاب المنتدى العربي الرابع لحوكمة الإنترنت، وتحت شعار هام وأساسي في دولنا، هو "إقتصاد الإنترنت من أجل التنمية المستدامة".
وخير دليل على أهمية أثر خدمات الإنترنت ووسائل تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات ودورها في التنمية المستدامة، هو تلك المساحة التي إتخذها مفهوم الاقتصادالرقمي الجديد، وأثره في التنمية المستدامة في اتفاق قمة المناخ، الذي إختتم أعماله منذ أقل من أسبوع في باريس((COP21.
تشكل "التنمية المستدامة" للمجتمعات الغاية الاساسية لكل دول العالم، ولا سيما في عالمنا العربي، وتسعى جميع الحكومات إلى توظيف مواردها المتنوعة بصورة فاعلة للوصول إلى هذه التنمية المستدامة.
من هنا نرى ضرورة انتهاج المقاربة الفضلى لاستخدام عامل التكنولوجيا بشكلٍ عام، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والإنترنت بشكلٍ خاص، كخطوة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، إذ أن تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات،بمفهومها العام، أصبحت تُعتبر من الخدمات والموارد الاستراتجية الأساسية التي تستطيع الحكومات أن تقاربها، من خلال استصدار الأنظمة والقواعد التي تُساهم في تحرير وتعميم وسائل التكنولوجيا بحُرّيةٍ مطلقة لجميع شرائح المجتمع، هذا فضلاً عن ضرورة تشجيع الاستثمار الخاص وتعظيم دوره في مختلف مجالات الصناعات التكنولوجية وصناعة المحتوى، وتحفيز الإبتكار، وليس الخدمات "الريعية" الناتجة عنها فقط.
تأتي خدمة الانترنت في مقدمة خدمات تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات، لذلك، إن تفعيل إقتصاد الانترنت لمنفعة جميع شرائح المجتمع في بلدٍ ما، بهدف تحقيق التنمية المستدامة، يجب ان يقوم بشكلٍ رئيسي على الركائز الأساسية الثلاث التالية:
الركيزة الاولى: خلق الظروف الملائمة لتأمين الاستثمارات في البنية التحتية لصناعة الانترنت وخدماتها المختلفة.
الركيزة الثانية: وضع القوانين والأنظمة التي تحّرر صناعة الانترنت وخدماتها وتخلق المنافسة الضرورية في هذا الإطار. ذلك إضافةً الى تأمين حق الجميع بالوصول الى خدمات الانترنت (Droit universel d’accés à l’Internet).
الركيزة الثالثة: تأمين حوكمة فاعلة لإدارة الانترنت (Efficient Internet Governance) تحافظ على الحرية،وعلى الأمن والسلامة، وعلى ضمانة سرية المعطيات الشخصية، وعلى الحيادية بمفهومها المطلق والأوسع (Neutrality)، وتضمن التطور التكنولوجي والنمو المستمرلشبكة الإنترنت.
إن الركيزتين الاولى والثانية هي من صلاحيات وواجبات كل حكومة تجاه مواطنيها.
إلا أن الركيزة الثالثة، وهي الحوكمة الفاعلة لإدارة الانترنت، ونظراً لطابعها العالمي، ولأنه لا يمكن لأي دولة بمفردها إدارة الإنترنت، ما يفرض ان تُؤَمَّن من قبل جهة قادرةوموثوقة وحيادية ومستقلة، متمتعة بقدرة تمثيلها لجميع الفرقاء وجميع أصحاب المنفعة على إختلاف شرائحهم وعلى إختلاف مكوناتهم وإختلاف منفعتهم، وأن تعمل بطريقة محايدة وعلى مسافة واحدة من الجميع وبطرق واضحة للمراجعة والمحاسبة والمساءلة وأن تتمتع بشفافية عالية في عملها ووضوح مطلق في طريقة وآليات إتخاذقراراتها.
بعد حوالي عقدين تقريباً على إدارة الانترنت من قبل الولايات المتحدة الأميركية، من خلال ما يُعرف بإتفاقية عمل وظائف هيئة تخصيص أرقام الانترنت الـ IANA مع شركةالـ ICANN الأميريكية إن هذه الاتفاقية التي تمّ ابرامها في العام ١٩٩٨، بين الدولة الأميركية، ممثلةً بالوكالةالأميريكة الوطنية لإدارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الـ NTIA من جهة، وشركة الـ ICANN من جهة أخرى، تنص على أن تقوم الـ ICANN "بإدارة تخصيص أسماء وأرقام نطاقات الانترنت. وقد أدّت هذه الشركة عملها خلال هذه السنوات، بالرغم من الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها بهدف تحسين أدائها للوصول الى تأمين التمثيل الصحيح لجميع الفرقاء، والعمل بطريقة محايدة والبقاء على مسافة واحدة من الجميع وتأمين طرق واضحة للمراجعة والمحاسبة.
إلا أن حكومة الولايات المتحدة الأميركية قررت عام 2014التخلي عن هذه الاتفاقية مع الـ ICANN، بهدف السماح لجهة فاعلة ومحايدة، تخضع لوسائل المحاسبة والمساءلة، وقادرة على العمل بشفافية، بإدارة عناوين وأسماء ونطاقات الانترنت.
غير أن شركة الـ ICANN تعمل جاهدةً على أن تكون هي هذه الجهة الفاعلة والمحايدة والخاضعة لمبدَأَي الشفافية والمحاسبة، وقد كان لي منذ حوالي شهر تقريباً إجتماععمل مع رئيسها الاستاذ فادي شحادي في مكتبي في وزارة الاتصالات حيث تم تداول ومناقشة هذا الموضوع طيلة ساعاتٍ عدة قاربت الخمس ساعات، وما تجدر ملاحظته، أن عدد غير قليل من الفرقاء، من مختلف أصحاب المصلحة والمنفعة في جميع أنحاء العالم، لا يوافقون على استمرار النموذج الحالي الـ ICANN للقيام بمهامها وذلك بالرغم من الجهود المبذولة لتحسين إدارتهاللانترنت في هذا الإطار.
كما يقتضي لفت الانتباه إلى انه لا توجد معارضة فقط من قبل بعض الحكومات على استمرار عمل الـ ICANN، إنما هنالك عدد كبير من أصحاب المصلحة والمنظمات غير الحكومية وممثلي مختلف نشاطات القطاع الخاص لا يزالون يعترضون على قيام الـ ICANN بمهامها بالشكل القائم حالياً، ويؤكدون أن بعض الإصلاحات، التي قامت بها الـ ICANN مؤخراً، ما زالت بعيدة عن استيفاء شروط الشفافية والمحاسبة والتمثيل الصحيح والطريقة الفضلى لإتخاذ القرارات والعمل بحياد، ذلك بالاضافة إلى خضوع الـ ICANN للقانون الخاص بولاية كاليفورنيا الأميركية من جهة، والإمكانية الدائمة لعودة الحكومة الأميركية عن قرارها بوقف تنفيذ الاتفاقية مع الـ ICANN، وهذا ما بدأ يرشح فعلياً في الأيام الأخيرة عن الإدارة الأميركية، الأمر الذي قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء في هذا المسار، وبالتالي عودة الولايات المتحدة إلى إدارة الانترنت من خلال الاتفاقية المذكورة. وإنني أظن أن اجتماعات الدورة الـ 66 للـ ICANN، المقرر عقدها في آذار من العام القادم 2016 في مدينة مراكش في المملكة المغربية، سوف تكون اجتماعات معقدة وهامة بهذا الشأن.
إن اجتماعنا اليوم يتزامن مع انتهاء أعمال الإجتماعالمخصص لمستقبل القمة العالمية لمجتمع المعلومات (WSIS +10)، الذي عُقد في اليومين الماضيين في ١٥ و١٦ كانون الثاني ٢٠١٥ في مقر الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. لقد شهدت أعمال هذا الاجتماع مناقشات واسعة وعميقة في موضوع حوكمة الانترنت، وتم التوصل إلى بعض الخلاصات وأهمها: إعادة تجديد عمل هذه القمة بأدواتها المختلفة، لا سيما التأكيد على إطار ومسار المنتدى العالمي لحوكة الإنترنت والمنتديات الإقليمة والوطنية المنبثقة عنه. وكذلك التأكيد على ضرورة إطلاق مسار "التعاونية المعززة" (Enhanced Cooperation) بين فرقاء القطاع الحكومي والدولي والإتحاد الدولي للإتصالات في هذا المجال.
اذاً، ينعقد الاجتماع السنوي الرابع للمنتدى العربي لحوكمة الانترنت اليوم في بيروت في ظل طرح التساؤلات المشروعة التالية من قبل المجتمع العالمي لقضايا الانترنت:
- هل يتجه العالم الى الانقسام في اختيار الجهة المولجةلإدارة الانترنت؟
- هل تستمر الـ ICANN كجهة وحيدة في إدارة الانترنت بعد تطبيق بعض الإصلاحات؟
- هل تنبثق جهة جديدة واحدة لإدارة الانترنت، ام سوف نشهد عدة جهات دولية/مناطقية؟
- هل يتم إعتماد نموذج الامم المتحدة في اختيار الجهة المولجة لإدارة الانترنت؟
- هل ستخضع الجهة المولجة بإدارة الانترنت للقانون الدولي، أم لقانون محايد، أم لقانون دولة ما؟
للإجابة على هذه التساؤلات المشروعة، يجب ان نُبقي دائماً نصب أعيننا الهدف الاسمى لاستمرار عمل الانترنت، ألا وهو "الحرية المطلقة لتدفق المعلومات" و"حماية الخصوصية المتعلقة بمعطيات الأشخاص والمجتمعات". ويهمني أن أؤكد أن الحرية المطلقة لتدفق المعلومات لا تعني أبداً الفوضى، كما لا تعني أبداً التعدي على حرية الأخر وعلى المجتمع، ولا تعني تفشي الجريمة الالكترونية، وبالأخص، لا تعني الملاذ الآمن لتطوير الاعمال الإرهابية التي يشهدها العالم. كما أن "حماية خصوصية المعطيات الشخصية"، لا تعني التملص من التحقيقات الأمنية أو التهرب من التعاون ضمن القانون مع الأجهزة القضائية المحلية والأقليمية والدولية المختصة.
اذاً، هل هنالك ضرورة لوجود ضوابط لتفادي هذه الانحرافات؟ هل هنالك إمكانية لوضع قانون دولي يرعى الاعمال على شبكة الانترنت العابرة لحدود الدول؟ هل هنالك إمكانية لملاحقة ومحاكمة القائمين بالجرائم الالكترونية على إختلافها؟
هذه عيّنة عن تساؤلات أخرى تُضاف الى التساؤلات السابقة. وعليه، هنالك حجم كبير من عمل جدّي وضخم بانتظارنا لإيجاد الاجابات المناسبة على هذه التساؤلات، ووضع حوكمة الانترنت على الطريق الصحيح.
"إقتصاد الانترنت من اجل التنمية المستدامة" شعارٌمؤَّسِس لإجتماعنا اليوم وغداً في المنتدى العربي الرابع لحوكمة الانترنت، أتمنى للجميع مشاركة فاعلة في سبيل المساهمة لإيجاد الحلول العملية لوضع التنظيمات الملائمة لتطوير الانترنت وتأمين الاستثمارات اللازمة في هذا المجالوحسن إدارة الانترنت وتحصين أمنها ومحاسبة مرتكبي الجرائم الالكترونية، كل ذلك، لخدمة جميع شرائح المجتمع وصولاً لتحقيق التنمية المستدامة بصورة فاعلة.
وفي الختام أدعو الله أن يوفق منتدانا الرابع لحوكمةالانترنيت في أعماله وأن يساهم في الإحاطة بالقضايا الشائكة المطروحة وفي الإجابة عليها.